هنا اليمن
<<النسخة الكاملة الرئيسية>>



روى مواقف ومشاهد مع السلطان قابوس: أحد رجالات السبعين يفتح مذكراته لـ “أثير”
4725





  • وُلد في جبال (أرزات) في الأربعينيات من القرن الماضي، وقتذاك كان الجهل متفشيًا في ظفار، وكان الاهتمام بالتقويم نادرًا، إنه الشيخ سالم بن سعيد عطيرون جعبوب أحد رجالات السبعين، الذين حظوا بثقة جلالة السلطان قابوس –طيّب الله ثراه- ، وأحد أهم مؤسسي قوات الفرق الوطنية، فقد حصل على فخر وسام الطغرائية السلطانية الخاصة عام 1990 ، بعد تقاعده برتبة مقدم متقاعد. زارته “أثير” في منزله الواقع بمنطقة “الدهاريز”، لتسليط الضوء على سيرته الشخصية، والحديث عن مرحلة بدايات النهضة المباركة، ومواقفه مع صانع النهضة الحديثة لعمان جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه- . في البداية يقول : كنت في سن الحادية عشرة عندما سافرت مع أشخاص من قبيلتي، ربما كنت أكثر حظوة عن أبناء جيلي ، انطلقنا مشيا على الأقدام ، إلى أن وصلنا إلى ولاية سدح ، من هناك توجهنا إلى مسقط عبر مركب شراعي ، وصلنا مطرح بعد أيام ، في تلك الفترة كانت شبه خالية من البشر إلا من بعض السكان من قبائل اللواتية، أما العذيبة فكانت بها كتيبة انجليزية ، لم يكن التنقل ميسرًا حينها فأكملنا سفرنا مشيا على الأقدام ، إلى أن وصلنا صحار . تعلو وجهه ابتسامة حين يتذكر كرم أهالي صحار وهم ينادونهم لإعطائهم بعضًا من الزاد كالماء والتمر، ويستوقفونهم لضيافتهم ، ويحكي موقفا مضحكا له حين أمسكته إحدى النساء من أذنه وكان معلقا بها قرطا معدنيا مستغربة هذا القرط وتتأمله بضحكة تملؤها الشفقة . ويضيف بأنهم واصلوا الطريق مشيًا من صحار إلى دبي ، وبعد أربعة أيام وصلوا إلى السبخة إحدى ضواحي دبي ، لم يكن هناك بناء يُذكر ، وكانت بيوت آل مكتوم في بر دبي و المنازل الأخرى من العريش وسعف النخيل ، وأغلب القاطنين فيها من العجم وبعض العمانيين من يعمل بالتجارة هناك . يواصل الشيخ عطيرون سرد ذكريات رحلته، فيوضح: تم تهريبنا من دبي عبر أحد المراكب، وكانت وجهته إلى الكويت ، وصلنا بعد ثلاث أيام ، حينها لم أكن أتحدث اللغة العربية إلا قليلا ، وسرعان ما حصلت على وظيفة في شركة نفطية ، التي وجدنا عددًا من العمانيين يعملون فيها . استمر في الكويت لمدة ستة أشهر فقط ، بعدها توجه إلى قطر بحثًا عن فرص أفضل مع أعمامه، و ما إن وصلوا إلى الدوحة تقدموا للتسجيل في جيش قطر، الذين كانوا معه التحقوا بالعمل وتم قبولهم مباشرة ، أما عطيرون فقد كان صغيرا حينها على العمل العسكري ، فرُفِض طلبه مبدئيا ، فما كان منه إلا أن شد يد الضابط الانجليزي “كوكرين” بقوة وهو يردد كلمة “أنا قوي سجلني في الجيش”، فقام بتسجيله مراسلا بحكم صغر سنه ، وبعد سنتين التحق بالعمل الميداني . أثناء عمله في الجيش كان يذهب في المساء إلى المدرسة ، واستمر على ذلك إلى أن أنهى المرحلة الثانوية، وحصل على رتبة ضابط في الجيش القطري ، وكانت قطر في تلك الفترة تعج بالكثير من أبناء ظفار، فكانوا يعملون في مختلف المهن والوظائف ، وأغلبهم لا يجيد القراءة والكتابة ، في المساء كانوا يلتقون في مطعم يُسمى ” بسم الله ” في سوق واقف، وكان المطعم الوحيد في الدوحة حينها، ويقدم الخبز والشاي وبعض الأرز . يستطرد بذاكرته لـ “أثير” خلال تلك المرحلة من فترة الستينيات فيقول: سمعت بوجود السيد طارق بن تيمور آل سعيد رحمة الله عليه في الدوحة ، وقمت بزيارته في مقر إقامته ، تحدثنا كثيرا عن الوطن وكيفية تضميد جراحه النازف، تحدثنا عن الفقر والجهل والظلم الذي لحق بالمواطنين ، توطدت العلاقة بيننا منذ ذلك اللقاء ، وتحدثنا في مختلف النواحي المتعلقة بالسلطنة وكانت آمالنا وتطلعاتنا وطنية محضة ، نحو التطوير والتعليم و التنمية للبلد .ومن حين لآخر كان يأتي السيد طارق إلى قطر وكنت ألتقيه للحديث معه عن مختلف التطورات. ويذكر عطيرون: في 23 من رمضان 1385 هجرية الموافق 14 يناير عام 1966م، بعثنا خطابًا إلى صاحب الجلالة السلطان سعيد بن تيمور عليه رحمة الله ، باسم “رجال السلام “، وكان معي في ذلك الوقت صاحب السمو السيد ثويني بن شهاب والسيد نصر بن حمود رحمهما الله ، تضمن الخطاب التماسًا ورجاءً من جلالته تسهيل احتياجات المواطنين في ظفار ، وفك الحصار المفروض عليهم ، الذي طال كل ما يتعلق بعيشتهم و تعاملاتهم اليومية من تجارة وعلاج وغيرها من الأمور . وفي عام 1970م وتحديدا الثالث والعشرين من يوليو تلقيت خبر استلام صاحب الجلالة السلطان قابوس لمقاليد الحكم فبعثت له برقية تهنئة، وبعد ثلاثة أشهر سافرت إلى مسقط لمقابلة جلالته رحمه الله ، وكان يقيم في بيت الفلج، فاستقبلني الضابط سعيد بن سالم الوهيبي ، وأخبرته برغبتي في لقاء جلالته فأدخلني على الفور؛ كان اللقاء بسيطا وعفويا، سألني عن عملي فأخبرته بأني أعمل ضابطا في الجيش القطري، فاقترح عليّ جلالته تقديم استقالتي والالتحاق بالعمل في عمان ، فقلت سمعًا وطاعة . رجع عطيرون إلى قطر، وقدم استقالته إلى الضابط الإنجليزي “كوكرين” قائد جيش قطر، نظر الضابط إلى ورقة الاستقالة مطولًا ، ثم رفع نظره إليه وسكت برهة ، ثم قال: ائتني غدا ، في اليوم التالي أخبره “كوكرين” بأن الشيخ خليفة آل ثاني لم يوافق على الاستقالة، فطلب منه عطيرون فرصة ثانية للذهاب إلى مسقط ، فرد “كوكرين” ما الضمانات التي ستقدمها لي تفيد بحتمية رجوعك ؟ ، أجاب بأن عقيدته العسكرية شرف ومبدأ ، وقال : لن أكذب عليك يا سيد “كوكرين”، لقد عشت معكم في هذا البلد عشرين عامًا من حياتي وقد أعطتني قطر الكثير ، الأمر الآخر أن أسرتي وأبنائي هنا وهذا بحد ذاته ضمان لك . عاد الضابط إلى مسقط مرة أخرى، وقابل جلالة السلطان قابوس وأخبره بموضوع الاستقالة ، حينها أمر جلالته الضابط سعيد الوهيبي بكتابة رسالة رسمية إلى الشيخ خليفة ملتمسًا الموافقة على الاستقالة، وأمره صاحب الجلالة بالعودة إلى قطر وطمأنه بأن الوضع على ما يرام . عاد عطيرون إلى الدوحة ووجد الموافقة على مكتبه، فجهز أغراضه للعودة مع أسرته وأخذ معه مستحقاته وشحن سيارته “اللاندروفر ” عائدًا الى أرض الوطن بعد غربة دامت عشرين عامًا. وصل إلى مسقط على خطوط طيران الخليج وتوجه إلى بيت الفلج، وكان جلالة السلطان قابوس رحمه الله يدير شؤون البلاد في ظفار، فجهز له السيد ثويني إجراءات سفره إلى صلالة فانطلق لمقابلة جلالة السلطان ليبدأ عطيرون فصلًا جديدًا من حياته في ظفار . توجه صباحا إلى قصر الحصن ، وقابل الشيخ بريك بن حمود الغافري في مكتبه، فأخبره أنه يريد مقابلة جلالته – طيب الله ثراه – ، فتقدما إلى “البرندة” وهو مقر إقامة جلالته، وما إن وطأت أقدامهم ردهة القصر، جلجل صوت جلالة السلطان بمهابته المعتادة قائلا ” يا شيخ بريك ، سالم رجل عسكري أعطه رتبة عسكرية” كان مبتسمًا و مشرقًا . يروي عطيرون هذه اللحظات لـ “أثير” فيقول: “سلمنا على جلالته وشربنا القهوة بمعيته وتحدثنا مطولا عن مختلف الأمور المتعلقة بالمواطنين، استأذننا من جلالته وقابلنا السيد “براون” الضابط الإنجليزي حينها كان يشغل منصب مدير المخابرات ، أخبرناه بأمر صاحب الجلالة ، وتقلدت على الفور رتبة ضابط وباشرت أولى مهامي ” ويوضح بأنه أنيط به مسؤولية جبال ظفار، حيث لم يكن للحكومة حينها تأثيرٌ على المواطنين خارج سور مدينة صلالة . يقول: كنت أجول بسيارتي على البوابات الأربع للمدينة، على كل بوابة حارسان وعند كل بوابة حكاية من البؤس والفقر ، وعلى قدر ما أستطيع المساعدة كنت لم أخفِ جهدًا عن أي محتاج أو طالب عون .وفي عام 1971م كانت الحرب في ذروتها، بين الحكومة والمتمردين، حينها فرض الإنجليز حصارًا على المواطنين وأمروا الحراس بعدم دخول أي سلع أو بضاعة أو غذاء إلى داخل السور أو خارجه، فقمت بالسماح بالغذاء وتداول البضاعة داخلا وخارجا، وفي أغلب الأحيان أنقل الأهالي لشراء المؤن من تجار “البانيان” بسيارتي ، الأمر الذي أغاظ الإنجليز فوشوا بي إلى جلالة السلطان مدعين إنني أدعم المتمردين، فكان رده عليهم “دعوه يفعل ما يريد” وبدأت الأوضاع تتحسن شيئا فشيئا. وقدمت مقترحًا لجلالة السلطان رحمه الله عام 1971 م بإنشاء مدرسة لأبناء الشهداء، فوافق على الفور وأمر باستقدام معلمين من المملكة الأردنية، وبعثني لإقناع المواطنين في الجبال فانطلقت إلى الأرياف والصحاري لجلب الطلاب، وقد واجهنا صعوبة في إقناع أولياء الأمور وبعد جهد جهيد اقتنعوا بإرسال أبنائهم .زاد أعداد الطلاب فوق المتوقع إذ بلغ عددهم حوالي 300 طالب، مما دعا إلى طلب المزيد من الخيام والتجهيزات لاستقبالهم ، وكذلك زيادة المعلمين إلى 12 معلمًا، وكان الرضا واضح على الأهالي بعد أن اطمأنوا على أبنائهم في المدارس. وقمت بإنشاء فرقة “قابوس” في منطقة المعمورة مهمتها كبح تقدم ثوار الجبهة وذلك في نهاية عام 1971 م ، انضم إليها أعداد من ” كتيبة جندي أمر ظفار” والتحق بها عدد من المستجدين ثم تأسست فرقة أبو بكر الصديق في ولاية مرباط ثم تلتها فرقة طارق بن زياد وفرقة صلاح الدين وفرقة خالد بن الوليد وانتشرت الفرق في جميع المناطق لاحقا واستتب الأمن ربوع ظفار. وكان جلالة السلطان يوصي الجنود بعدم إطلاق النار للرأس أو الصدر، بل أمرهم بضرب الأطراف لتجنب القتل بقوله “إياكم تقتلوهم.” يحكي “أبو سعيد ” : في شهر ديسمبر 1972 م كنا في مهمة عسكرية في جبال ناشب ، وكان معي ضابطان إنجليزيان ، أثناء مهمتنا انكشف أحد الضباط الذين معي لمتمردي الجبهة، فبدأ إطلاق النار علينا بكثافة، أُصبت في الفخذ الأيسر، وكان الجو باردًا ولم أشعر بالألم ، أحسست بالبرد يسري في جسمي ، ولم أخبرهم بالأمر كي لا أبث روح الانهزام في المعركة، واصلنا إطلاق النار ، إلى أن انسحب ثوار الجبهة . شاهد الضابطان الدم يسيل من ساقي ، فتحوا حقيبة الإسعافات الأولية وحقنوني بإبرة لوقف النزيف، وعلى الفور اتصلنا باللاسلكي بطائرة لنقلنا إلى المستشفى ، في تلك الفترة كان هناك فريق طبي إنجليزي يسمى “بات” متخصصين في بتر الأعضاء وكان مقررًا بتر ساقي المصابة لولا تدخل الشيخ بريك رحمه الله ، فتم نقلي إلى مسقط وتوجهت إلى المستشفى العسكري في بيت الفلج للعلاج فلم يكن لدي رقم عسكري أو سجل أو أي بيانات فتقرر نقلي إلى مستشفى “طومس” الرحمة “. ويضيف: هناك زارني الشيخ بريك الغافري للاطمئنان علي وأبلغته بأني لا أملك رقمًا عسكريًا ، فأبلغ بذلك صاحب الجلالة ، الأمر الذي أثار غضبه – رحمه الله- وضرب براحتيه على الطاولة بقوة ، واستدعى “براون “على الفور و وبخه قائلا: كيف لضابط بهذه الأهمية لا يحمل رقمًا عسكريًا ولا يتقاضى راتبًا و لا ينال أي مستحقات ؟ فجلالته علم حينها بأن عطيرون لم يتسلّم أي مقابل خلال فترة انضمامه في صفوف الجيش ؛ فأكرمه بوسام “جي” من الدرجة الممتازة، ورغم إصابته إلا أن عطيرون رمى عكازه ووقف منتصبًا أمام القائد الملهم لتقلد الوسام. كانت الحرب على كل الجبهات ميدانيًا ومعنويًا تستعر كالنار في الهشيم ، في معاقل ثوار الجبهة، علا أزيز الرصاص في حوف وبدأت الاحتفالات تتوسع بعد سماع خبر وفاة العميل “الكوبرا” وهذا اللقب أطلقه المتمردون على “عطيرون” أي الأفعى فكانت الصورة التي تقلد فيها الوسام ردا قاسيا للمتمردين حين نُشِرت في الصحف والجرائد، بعدها بفترة وجيزة سافر إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج . يؤكد “عطيرون” : رغم صعوبة حقبة السبعينيات ومنتصف الثمانينيات إلا أنها كانت تسير بوتيرة متسارعة على كافة الأصعدة، وكانت نهضة مباركة بحق قادها رجل آمن بالله والوطن والشعب فأعطى بلا حدود وبلا مقابل. وفي ختام حديثه لـ “أثير” رفع الشيخ سالم بن سعيد عطيرون أسمى معاني الولاء والطاعة جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله و رعاه- داعيا الله أن يسدد خطاه وأن يؤيده بالحق و يؤيد به الحق . يُذكر أن الشيخ سالم انتقل في الثمانيات من القرن الماضي إلى مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، وعُيِّن مستشارًا ثم عضوًا في أول مجلس استشاري للدولة .










       قد يهمك ايضاً

    حملات خطف وممارسات قمعية حوثية تخوفاً من انتفاضة شعبية

    جريمة مدوية.. نجل محافظ شبوة التابع للتحالف يختطف أسرة كاملة.. الاسماء

    خبار محلية جريمة جديدة وبشعة تهز عدن ضحيتها طفلة في كريتر..

    انطلاق المهرجان الشعري لشعراء مقاتلي المقاومة الوطنية إحياءً للذكرى الخامسة لثورة الثاني من ديسمبر .. صحافة نت الجديد

    جريمة تهز مدينة عدن.. “مسخ بشري” يختطف طفلة ويقدم على اغتصابها ومواطنون يعثرون عليه وقت ارتكاب الجريمة.. “تفاصيل” .. صحافة نت الجديد






    تصميم وتطوير
    ZAHER SOFT
    © جميع الحقوق محفوظة لموقع ا هنا اليمن 2017